صفحة رقم (٣)
سلسله صفحة من القران بتفسيرها سوف نعرض كل يوم صفحه من القران لقراءتها كورد الي جانب تفسيرها .
تفسير الصفحه للشيخ الشعراوي رحمه الله :-
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)}
وبعد ان تحدث الحق سبحانه وتعالى عن المؤمنين وصفاتهم.. وجزائهم في الآخرة وما ينتظرهم من خير كبير.. اراد ان يعطينا تبارك وتعالى الصورة المقابلة وهم الكافرون.. وبين لنا ان الايمان جاء ليهيمن على الجميع يحقق لهم الخير في الدنيا والآخرة.. فلابد أن يكون هناك شر يحاربه الإيمان.. ولولا وجود هذا الشر.. أكان هناك ضرورة للايمان.. إن الانسان المؤمن يقي نفسه ومجتمعه وعالمه من شرور يأتي بها الكفر.. والكافرون قسمان.. قسم كفر بالله اولا ثم استمع الى كلام الله.. واستقبله بفطرته السليمة فاستجاب وآمن.. وصنف آخر مستفيد من الكفر ومن الطغيان ومن الظلم ومن اكل حقوق الناس وغير ذلك.. وهذا الصنف يعرف ان الايمان اذا جاء فانه سيسلبه جاها دنيويا ومكاسب يحققها ظلما وعدوانا.
اذن الذين يقفون امام الايمان هم المستفيدون من الكفر.. ولكن ماذا عن الذين كانوا كفارا واستقبلوا دين الله استقبالا صحيحا.
هؤلاء قد تتفتح قلوبهم فيؤمنون. والكفر معناه الستر.. ومعنى كَفَرَ (أي) سَتَرَ.. وكفر بالله أي ستر وجود الله جل جلاله.. والذي يستر لابد ان يستر موجودا، لأن الستر طارئ على الوجود.. والاصل في الكون هو الايمان بالله.. وجاء الكفار يحاولون ستر وجود الله. فكأن الأصل هو الايمان ثم طرأت الغفلة على الناس فستروا وجود الله سبحانه وتعالى.. ليبقوا على سلطانهم او سيطرتهم او استغلالهم او استعلائهم على غيرهم من البشر.
ولفظ الكفر في ذاته يدل على ان الايمان سبق ثم بعد ذلك جاء الكفر.. كيف؟.
لأن الخلق الاول وهو آدم الذي خلقه الله بيديه.. ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة.. وعلمه الاسماء كلها.
سجود الملائكة وتعليم الاسماء أمر مشهدي بالنسبة لآدم.. والكفر ساعتها لم يكن موجودا.. وكان المفروض ان ادم بعد ان نزل الى الارض واستقر فيها.. يلقن ابناءه منهج عبادة الله لأنه نزل ومعه المنهج في (افعل ولا تفعل) وكان على ابناء آدم ان يلقنوا ابناءهم المنهج وهكذا.
ولكن بمرور الزمن جاءت الغفلة في أن الايمان يقيد حركة الناس في الكون.. فبدأ كل من يريد ان يخضع حياته لشهوة بلا قيود يتخذ طريق الكفر.. والعاقل حين يسمع كلمة كفر.. يجب عليه أن يتنبه إلى أن معناها ستر لموجود واجب الوجود.. فكيف يكفر الانسان ويشارك في ستر ما هو موجود.. لذلك تجد ان الحق سبحانه وتعالى يقول: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ هُوَ الذي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً ثُمَّ استوى إِلَى السمآء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29] وهكذا يأتي هذا السؤال.. ولا يستطيع الكافر له جوابا!! لأن الله هو الذي خلقه وأوجده.. ولا يستطيع احد منا ان يدعي انه خلق نفسه او خلق غيره.. فالوجود بالذات دليل على قضية الايمان.. ولذلك يسألهم الحق تبارك وتعالى كيف تكفرون بالله وتسترون وجود من خلقكم؟.
والخلق قضية محسومة لله سبحانه وتعالى لا يستطيع احد ان يدعيها.. فلا يمكن ان يدعي أحد أنه خلق نفسه.. قضية انك موجود توجب الايمان بالله سبحانه وتعالى الذي اوجدك.. انه عين الاستدلال على الله.. واذا نظر الانسان حوله فوجد كل ما في الكون مسخر لخدمته والاشياء تستجيب له فظن بمرور الزمن ان له سيطرة على هذا الكون.. ولذلك عاش وفي ذهنه قوة الاسباب.. يأخذ الاسباب وهو فاعلها فيجدها قد اعطته واستجابت له.. ولم يلتفت الى خالق الاسباب الذي خلق لها قوانينها فجعلها تستجيب للانسان.. وقد اشار الحق تبارك وتعالى الى ذلك في قوله جل جلاله: {كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى} [العلق: 6-7] ذلك ان الانسان يحرث الارض فتعطيه الثمر.. فيعتقد انه هو الذي اخضع الارض ووضع لها قوانينها لتعطيه ما يريد.. يضغط على زر الكهرباء فينير المكان فيعتقد انه هو الذي اوجد هذه الكهرباء! يركب الطائرة.. وتسير به في الجو فيعتقد انه هو الذي جعلها تطير.. وينسى الخصائص التي وضعها الله سبحانه وتعالى في الغلاف الجوي ليستطيع ان يحمل هذه الطائرة.. يفتح التليفزيون ويرى أمامه احداث العالم فيعتقد ان ذلك قد حدث بقدرته هو.. وينسى ان الله تبارك وتعالى وضع في الغلاف الجوي خصائص جعلته ينقل الصوت والصورة من اقصى الدنيا الى اقصاها في ثوان معدودة.. وهكذا كل ما حولنا يظن الانسان انه اخضعه بذاته.. بينما كل هذا مسخر من الله سبحانه وتعالى لخدمة الانسان.. وهو الذي خلق ووضع القوانين.. نقول له انك لو فهمت معنى ذاتية الاشياء ما حدثتك نفسك بذلك.. الشيء الذاتي هو ما كان بذاتك لا يتغير ولا يتخلف ابدا.. انما الامر الذي ليس بذاتك هو الذي يتغير.
واذا نظرت إلى ذاتيتك تلك التي اغرتك واطغتك.. ستفهم ان كلمة ذاتية هي ألا تكون محتاجا الى غيرك بل كل شيء من نفسك.. وانت في حياتك كلها ليس لك ذاتية.. لأن كل شيء حولك متغير بدون ارادتك.. وانت طفل محتاج إلى أبيك في بدء حياتك.. فاذا كبرت وأصبح لك قوة واستجابت الاحداث لك فإنك لا تستطيع ان تجعل فترة الشباب والفتوة هذه تبقى.
فالزمن يملك ولكن لفترة محدودة.. فاذا وصلت الى مرحلة الشيخوخة فستحتاج الى من يأخذ بيدك ويعينك.. ربما على ادق حاجاتك وهي الطعام والشراب.
إذن فأنت تبدأ بالطفولة محتاجا إلى غيرك.. وتنتهي بالشيخوخة محتاجا إلى غيرك.. وحتى عندما تكون في شبابك قد يصيبك مرض يقعدك عن الحركة.. فاذا كانت لك ذات حقيقية فأدفع هذا المرض عنك وقل لن امرض.. انك لا تستطيع.
والله سبحانه وتعالى اوجد هذه المتغيرات حتى ينتهي الغرور من الانسان نفسه.. ويعرف انه قوي قادر بما اخضع الله له من قوانين الكون.. لنعلم اننا جميعا محتاجون الى القادر، وهو الله سبحانه وتعالى، وان الله غني بذاته عن كل خلقه.. يغير ولا يتغير.. يميت وهو دائم الوجود.. يجعل من بعد قوة ضعفا وهو القوي دائما.. ما عند الناس ينفد وما عنده تبارك وتعالى لا ينفد أبداً.. هو الله في السماوات والأرض.
اذن فليست لك ذاتية حتى تدعي انك اخضعت الكون بقدراتك.. لانه ليس لك قدرة ان تبقى على حال واحد وتجعله لا يتبدل ولا يتغير.. فكيف تكفر بالله تبارك وتعالى وتستر وجوده.. كل ما في الكون وما في نفسك شاهد ودليل على وجود الحق سبحانه وتعالى.
قلنا ان الكافرين صنفان.. صنف كفر بالله وعندما جاء الهدى حكم عقله وعرف الحق فآمن.. والصنف الآخر مستفيد من الكفر.. ولذلك فهو متشبث به مهما جاءه من الايمان والادلة الايمانية فإنه يعاند ويكفر.. لانه يريد ان يحتفظ بسلطاته الدنيوية ونفوذه القائم على الظلم والطغيان.. ولا يقبل ان يُجَرَّدَ منهما ولو بالحق.. هذا الصنف هو الذي قال عنه الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}
إنهم لم يكفروا لأن بلاغا عن الله سبحانه وتعالى لم يصلهم.. ولم يكفروا لأنهم في حاجة الى ان يلفتهم رسول او نبي الى منهج الله.. هؤلاء اتخذوا الكفر صناعة ومنهج حياة.. فهم مستفيدون من الكفر لأنه جعلهم سادة ولانهم متميزون عن غيرهم بالباطل.. ولانهم لو جاء الايمان الذي يساوي بين الناس جميعا ويرفض الظلم، لأصبحوا أشخاصا عاديين غير مميزين في أي شيء.
هذا الكافر الذي اتخذ الكفر طريقا لجاه الدنيا وزخرفها.. سواء أنذرته أو لم تنذره فانه لن يؤمن.. انه يريد الدنيا التي يعيش فيها.. بل ان هؤلاء هم الذين يقاومون الدين ويحاربون كل من آمن.. لأنهم يعرفون ان الايمان سيسلبهم مميزات كثيرة.. ولذلك فإن عدم ايمانهم ليس عن ان منهج الايمان لم يبلغهم.. او ان أحدا لم يلفتهم الى ايات الله في الأرض.. ولكن لأن حياتهم قائمة ومبنية على الكفر.
وبعد ان تحدث الحق سبحانه وتعالى عن المؤمنين وصفاتهم.. وجزائهم في الآخرة وما ينتظرهم من خير كبير.. اراد ان يعطينا تبارك وتعالى الصورة المقابلة وهم الكافرون.. وبين لنا ان الايمان جاء ليهيمن على الجميع يحقق لهم الخير في الدنيا والآخرة.. فلابد أن يكون هناك شر يحاربه الإيمان.. ولولا وجود هذا الشر.. أكان هناك ضرورة للايمان.. إن الانسان المؤمن يقي نفسه ومجتمعه وعالمه من شرور يأتي بها الكفر.. والكافرون قسمان.. قسم كفر بالله اولا ثم استمع الى كلام الله.. واستقبله بفطرته السليمة فاستجاب وآمن.. وصنف آخر مستفيد من الكفر ومن الطغيان ومن الظلم ومن اكل حقوق الناس وغير ذلك.. وهذا الصنف يعرف ان الايمان اذا جاء فانه سيسلبه جاها دنيويا ومكاسب يحققها ظلما وعدوانا.
اذن الذين يقفون امام الايمان هم المستفيدون من الكفر.. ولكن ماذا عن الذين كانوا كفارا واستقبلوا دين الله استقبالا صحيحا.
هؤلاء قد تتفتح قلوبهم فيؤمنون. والكفر معناه الستر.. ومعنى كَفَرَ (أي) سَتَرَ.. وكفر بالله أي ستر وجود الله جل جلاله.. والذي يستر لابد ان يستر موجودا، لأن الستر طارئ على الوجود.. والاصل في الكون هو الايمان بالله.. وجاء الكفار يحاولون ستر وجود الله. فكأن الأصل هو الايمان ثم طرأت الغفلة على الناس فستروا وجود الله سبحانه وتعالى.. ليبقوا على سلطانهم او سيطرتهم او استغلالهم او استعلائهم على غيرهم من البشر.
ولفظ الكفر في ذاته يدل على ان الايمان سبق ثم بعد ذلك جاء الكفر.. كيف؟.
لأن الخلق الاول وهو آدم الذي خلقه الله بيديه.. ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة.. وعلمه الاسماء كلها.
سجود الملائكة وتعليم الاسماء أمر مشهدي بالنسبة لآدم.. والكفر ساعتها لم يكن موجودا.. وكان المفروض ان ادم بعد ان نزل الى الارض واستقر فيها.. يلقن ابناءه منهج عبادة الله لأنه نزل ومعه المنهج في (افعل ولا تفعل) وكان على ابناء آدم ان يلقنوا ابناءهم المنهج وهكذا.
ولكن بمرور الزمن جاءت الغفلة في أن الايمان يقيد حركة الناس في الكون.. فبدأ كل من يريد ان يخضع حياته لشهوة بلا قيود يتخذ طريق الكفر.. والعاقل حين يسمع كلمة كفر.. يجب عليه أن يتنبه إلى أن معناها ستر لموجود واجب الوجود.. فكيف يكفر الانسان ويشارك في ستر ما هو موجود.. لذلك تجد ان الحق سبحانه وتعالى يقول: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ هُوَ الذي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً ثُمَّ استوى إِلَى السمآء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29] وهكذا يأتي هذا السؤال.. ولا يستطيع الكافر له جوابا!! لأن الله هو الذي خلقه وأوجده.. ولا يستطيع احد منا ان يدعي انه خلق نفسه او خلق غيره.. فالوجود بالذات دليل على قضية الايمان.. ولذلك يسألهم الحق تبارك وتعالى كيف تكفرون بالله وتسترون وجود من خلقكم؟.
والخلق قضية محسومة لله سبحانه وتعالى لا يستطيع احد ان يدعيها.. فلا يمكن ان يدعي أحد أنه خلق نفسه.. قضية انك موجود توجب الايمان بالله سبحانه وتعالى الذي اوجدك.. انه عين الاستدلال على الله.. واذا نظر الانسان حوله فوجد كل ما في الكون مسخر لخدمته والاشياء تستجيب له فظن بمرور الزمن ان له سيطرة على هذا الكون.. ولذلك عاش وفي ذهنه قوة الاسباب.. يأخذ الاسباب وهو فاعلها فيجدها قد اعطته واستجابت له.. ولم يلتفت الى خالق الاسباب الذي خلق لها قوانينها فجعلها تستجيب للانسان.. وقد اشار الحق تبارك وتعالى الى ذلك في قوله جل جلاله: {كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى} [العلق: 6-7] ذلك ان الانسان يحرث الارض فتعطيه الثمر.. فيعتقد انه هو الذي اخضع الارض ووضع لها قوانينها لتعطيه ما يريد.. يضغط على زر الكهرباء فينير المكان فيعتقد انه هو الذي اوجد هذه الكهرباء! يركب الطائرة.. وتسير به في الجو فيعتقد انه هو الذي جعلها تطير.. وينسى الخصائص التي وضعها الله سبحانه وتعالى في الغلاف الجوي ليستطيع ان يحمل هذه الطائرة.. يفتح التليفزيون ويرى أمامه احداث العالم فيعتقد ان ذلك قد حدث بقدرته هو.. وينسى ان الله تبارك وتعالى وضع في الغلاف الجوي خصائص جعلته ينقل الصوت والصورة من اقصى الدنيا الى اقصاها في ثوان معدودة.. وهكذا كل ما حولنا يظن الانسان انه اخضعه بذاته.. بينما كل هذا مسخر من الله سبحانه وتعالى لخدمة الانسان.. وهو الذي خلق ووضع القوانين.. نقول له انك لو فهمت معنى ذاتية الاشياء ما حدثتك نفسك بذلك.. الشيء الذاتي هو ما كان بذاتك لا يتغير ولا يتخلف ابدا.. انما الامر الذي ليس بذاتك هو الذي يتغير.
واذا نظرت إلى ذاتيتك تلك التي اغرتك واطغتك.. ستفهم ان كلمة ذاتية هي ألا تكون محتاجا الى غيرك بل كل شيء من نفسك.. وانت في حياتك كلها ليس لك ذاتية.. لأن كل شيء حولك متغير بدون ارادتك.. وانت طفل محتاج إلى أبيك في بدء حياتك.. فاذا كبرت وأصبح لك قوة واستجابت الاحداث لك فإنك لا تستطيع ان تجعل فترة الشباب والفتوة هذه تبقى.
فالزمن يملك ولكن لفترة محدودة.. فاذا وصلت الى مرحلة الشيخوخة فستحتاج الى من يأخذ بيدك ويعينك.. ربما على ادق حاجاتك وهي الطعام والشراب.
إذن فأنت تبدأ بالطفولة محتاجا إلى غيرك.. وتنتهي بالشيخوخة محتاجا إلى غيرك.. وحتى عندما تكون في شبابك قد يصيبك مرض يقعدك عن الحركة.. فاذا كانت لك ذات حقيقية فأدفع هذا المرض عنك وقل لن امرض.. انك لا تستطيع.
والله سبحانه وتعالى اوجد هذه المتغيرات حتى ينتهي الغرور من الانسان نفسه.. ويعرف انه قوي قادر بما اخضع الله له من قوانين الكون.. لنعلم اننا جميعا محتاجون الى القادر، وهو الله سبحانه وتعالى، وان الله غني بذاته عن كل خلقه.. يغير ولا يتغير.. يميت وهو دائم الوجود.. يجعل من بعد قوة ضعفا وهو القوي دائما.. ما عند الناس ينفد وما عنده تبارك وتعالى لا ينفد أبداً.. هو الله في السماوات والأرض.
اذن فليست لك ذاتية حتى تدعي انك اخضعت الكون بقدراتك.. لانه ليس لك قدرة ان تبقى على حال واحد وتجعله لا يتبدل ولا يتغير.. فكيف تكفر بالله تبارك وتعالى وتستر وجوده.. كل ما في الكون وما في نفسك شاهد ودليل على وجود الحق سبحانه وتعالى.
قلنا ان الكافرين صنفان.. صنف كفر بالله وعندما جاء الهدى حكم عقله وعرف الحق فآمن.. والصنف الآخر مستفيد من الكفر.. ولذلك فهو متشبث به مهما جاءه من الايمان والادلة الايمانية فإنه يعاند ويكفر.. لانه يريد ان يحتفظ بسلطاته الدنيوية ونفوذه القائم على الظلم والطغيان.. ولا يقبل ان يُجَرَّدَ منهما ولو بالحق.. هذا الصنف هو الذي قال عنه الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}
إنهم لم يكفروا لأن بلاغا عن الله سبحانه وتعالى لم يصلهم.. ولم يكفروا لأنهم في حاجة الى ان يلفتهم رسول او نبي الى منهج الله.. هؤلاء اتخذوا الكفر صناعة ومنهج حياة.. فهم مستفيدون من الكفر لأنه جعلهم سادة ولانهم متميزون عن غيرهم بالباطل.. ولانهم لو جاء الايمان الذي يساوي بين الناس جميعا ويرفض الظلم، لأصبحوا أشخاصا عاديين غير مميزين في أي شيء.
هذا الكافر الذي اتخذ الكفر طريقا لجاه الدنيا وزخرفها.. سواء أنذرته أو لم تنذره فانه لن يؤمن.. انه يريد الدنيا التي يعيش فيها.. بل ان هؤلاء هم الذين يقاومون الدين ويحاربون كل من آمن.. لأنهم يعرفون ان الايمان سيسلبهم مميزات كثيرة.. ولذلك فإن عدم ايمانهم ليس عن ان منهج الايمان لم يبلغهم.. او ان أحدا لم يلفتهم الى ايات الله في الأرض.. ولكن لأن حياتهم قائمة ومبنية على الكفر.
{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)}
وكما اعطانا الحق سبحانه وتعالى أوصاف المؤمنين يعطينا صفات الكافرين.. وقد يتساءل بعض الناس إذا كان هذا هو حكم الله على الكافرين؟ فلماذا يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان منهم وقد ختم الله على قلوبهم؟! ومعنى الختم على القلب هو حكم بألاّ يخرج من القلب ما فيه من الكفر.. ولا يدخل إليه الإيمان. نقول أن الله سبحانه وتعالى غني عن العالمين.. فإن استغنى بعض خلقه عن الإيمان واختاروا الكفر.. فإن الله يساعده على الاستغناء ولا يعينه على العودة إلى الإيمان.. ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي: (أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني.. فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن اقترب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن اقترب إلي ذراعا اقتربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة). وقد وضح الحديث القدسي أن الله تبارك وتعالى يعين المؤمنين على الإيمان، وأن الله جل جلاله كما يعين المؤمنين على الإيمان.. فإنه لا يهمه أن يأتي العبد إلى الإيمان أو لا يأتي.. ولذلك نجد القرآن دقيقا ومحكما بأن من كفروا قد اختاروا الكفر بإرادتهم. واختيارهم للكفر كان أولا قبل أن يختم الله على قلوبهم.. والخالق جل جلاله أغنى الشركاء عن الشرك.. ومن أشرك به فإنه في غنى عنه. إن الذين كفروا.. أي ستروا الإيمان بالله ورسوله.. هؤلاء يختم الله بكفرهم على آلات الإدراك كلها.. القلب والسمع والبصر. والقلب أداة إدراك غير ظاهرة.. وقد قدم الله القلب على السمع والبصر في تلك الآية لأنه يريد أن يعلمنا منافذ الإدراك.. وفي القرآن الكريم يقول الحق تبارك وتعالى: {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]. وهكذا يعلمنا الله أن منافذ العلم في الإنسان هي السمع والأبصار والأفئدة.. ولكن في الآية الكريمة التي نحن بصددها قدم الله القلوب على السمع والأبصار.. أن الله يعلم أنهم اختاروا الكفر.. وكان هذا الاختيار قبل أن يختم الله على قلوبهم.. والختم على القلوب.. معناه أنه لا يدخلها إدراك جديد ولا يخرج منها إدراك قديم.. ومهما رأت العين أو سمعت الأذن.. فلا فائدة من ذلك لأن هذه القلوب مختومة بخاتم الله بعد أن اختار أصحابها الكفر وأصروا عليه.. وفي ذلك يصفهم الحق جل جلاله: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [البقرة: 18]. ولكن لماذا فقدوا كل أدوات الإدراك هذه؟. لأن الغشاوة التفت حول القلوب الكافرة، فجعلت العيون عاجزة عن تأمل آيات الله.. والسمع غير قادر على التلقي من رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذن فهؤلاء الذين اختاروا الكفر وأصروا عليه وكفروا بالله رغم رسالاته ورسله وقرآنه.. ماذا يفعل الله بهم؟ أنه يتخلى عنهم. ولأنه سبحانه وتعالى غني عن العالمين فإنه ييسر لهم الطريق الذي مشوا فيه ويعينهم عليه.. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]. ويقول جل جلاله: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشياطين تَنَزَّلُ على كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 221-222]. ومن عظمة علم الله تبارك وتعالى أنه يعلم المؤمن ويعلم الكافر.. دون أن يكون جل جلاله تدخل في اختيارهم.. فعندما بعث الله سبحانه وتعالى نوحا عليه السلام.. ودعا نوح إلى منهج الله تسعمائة وخمسين عاما. وقبل أن يأتي الطوفان علم الله سبحانه وتعالى أنه لن يؤمن بنوح عليه السلام إلا من آمن فعلا.. فطلب الله تبارك وتعالى من نوح أن يبني السفينة لينجو المؤمنون من الطوفان.. واقرأ قوله جل جلاله: {وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الذين ظلموا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} [هود: 36-37]. وهكذا نرى أنه من عظمة علم الله سبحانه وتعالى.. أنه يعلم من سيصر على الكفر وأنه سيموت كافرا.. وإذا كانت هذه هي الحقيقة فلماذا يطلب الله تبارك وتعالى من رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغهم بالمنهج وبالقرآن؟.. ليكونوا شهداء على أنفسهم يوم القيامة.. فلا يأتي هؤلاء الناس يوم المشهد العظيم ويجادلون بالباطل.. أنه لو بلغهم الهدى ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لآمنوا.. ولكن لماذا يختم الله جل جلاله على قلوبهم؟.. لأن القلب هو مكان العقائد.. ولذلك فإن القضية تناقش في العقل فإذا انتهت مناقشتها واقتنع بها الإنسان تماماً فإنها تستقر في القلب ولا تعود إلى الذهن مرة أخرى وتصبح عقيدة وإيمانا.. والحق سبحانه وتعالى يقول: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور} [الحج: 46]. وإذا عمى القلب عن قضية الإيمان.. فلا عين ترى آيات الإيمان.. ولا أذن تسمع كلام الله.. وهؤلاء الذين اختاروا الكفر على الإيمان لهم في الآخرة عذاب عظيم.. ولقد وصف الله سبحانه وتعالى العذاب بأنه أليم.. وبأنه مهين.. وبأنه عظيم.. العذاب الأليم هو الذي يسبب ألما شديدا.. والعذاب المهين هو الذي يأتي لأولئك الذين رفعهم الله في الدنيا.. وأحيانا تكون الإهانة أشد إيلاما للنفس من ألم العذاب نفسه.. أولئك الذين كانوا أئمة الكفر في الدنيا.. يأتي بهم الله تبارك وتعالى يوم القيامة أمام من اتبعوهم فيهينهم.. أما العذاب العظيم فإنه منسوب إلى قدرة الله سبحانه وتعالى.. لأنه بقدرات البشر تكون القوة محدودة.. أما بقدرات الله جل جلاله تكون القوة بلا حدود.. لأن كل فعل يتناسب مع فاعله.. وقدرة الله سبحانه وتعالى عظيمة في كل فعل.. وبما أن العذاب من الله جل جلاله فإنه يكون عذابا عظيما. | ||||||
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)}
الناس في الحياة الدنيا على ثلاثة أحوال: إما مؤمن، وإما كافر، وإما منافق. والله سبحانه وتعالى في بداية القرآن الكريم في سورة البقرة.. أراد أن يعطينا وصف البشر جميعا بالنسبة للمنهج وأنهم ثلاث فئات: الفئة الأولى هم المؤمنون، عَرَّفنا الله سبحانه وتعالى صفاتهم في ثلاث آيات، في قوله تعالى: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب وَيُقِيمُونَ الصلاة وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ والذين يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وبالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ أولئك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وأولئك هُمُ المفلحون} والفئة الثانية هم الكفار، وعرفنا الله سبحانه وتعالى صفاتهم في آيتين في قوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} وجاء للمنافقين فعرف صفاتهم في ثلاث عشرة آية متتابعة، لماذا..؟ لخطورتهم على الدين، فالذي يهدم الدين هو المنافق، أما الكافر فنحن نتقيه ونحذره، لأنه يعلن كفره. إن المنافق، يتظاهر أمامك بالإيمان، ولكنه يبطن الشر والكفر، وقد تحسبه مؤمنا، فتطلعه على أسرارك، فيتخذها سلاحا لطعن الدين.. وقد خلق الله في الإنسان ملكات متعددة، ولكن يعيش الإنسان في سلام مع نفسه، لابد أن تكون ملكاته منسجمة وغير متناقضة. فالمؤمن ملكاته منسجمة، لأنه اعتقد بقلبه في الإيمان ونطق لسانه بما يعتقد، فلا تناقض بين ملكاته أبداً. والكافر قد يقال إنه يعيش في سلام مع نفسه، فقد رفض الإيمان وأنكره بقلبه ولسانه وينطق بذلك، ولكن الذي فقد السلام مع ملكاته هو المنافق، أنه فقد السلام مع مجتمعه وفقد السلام مع نفسه، فهو يقول بلسانه، ما لا يعتقد قلبه، يظهر غير ما يبطن، ويقول غير ما يعتقد، ويخشى أن يكشفه الناس، فيعيش في خوف عميق، وهو يعتقد أن ذلك شيء مؤقت سينتهي. ولكن هذا التناقض يبقى معه إلى آخر يوم له في الدنيا، ثم ينتقل معه إلى الآخرة، فينقض عليه، ليقوده إلى النار، واقرأ قوله تبارك وتعالى: {حتى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قالوا أَنطَقَنَا الله الذي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت: 20-21]. إذن كل ملكاتهم انقضت عليهم في الآخرة، فالسلام الذي كانوا يتمنونه لم يحققوه لا في حياتهم ولا في آخرتهم، فلسان المنافق يشهد عليه، ويداه تشهدان عليه، ورجلاه تشهدان عليه، والجلود تشهد عليه، فماذا بقي له؟ بينه وبين ربه تناقض، وبينه وبين نفسه تناقض، وبينه وبين مجتمعه تناقض، وبينه وبين آخرته تناقض. وبينه وبين الكافرين تناقض. يقول لسانه ما ليس في قلبه، وبماذا وصف الحق سبحانه وتعالى المنافقين؟ قال تعالى: {وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ آمَنَّا بالله وباليوم الآخر وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8]. هذه أول صفات المنافقين في القرآن الكريم، يعلنون الإيمان وفي قلوبهم الكفر، ولذلك فإن إيمانهم كله تظاهر، إذا ذهبوا للصلاة لا تكتب لهم، لأنهم يتظاهرون بها، ولا يؤدونها عن إيمان، وإذا أدوا الزكاة، فإنها تكون عليهم حسرة، لأنهم ينفقونها وهم لها كارهون، لأنها في زعمهم نقص من مالهم. لا يأخذون عليها ثوابا في الآخرة، وإذا قتل واحد منهم في غزوة، انتابهم الحزن، والأسى، لأنهم أهدروا حياتهم ولم يقدموها في سبيل الله. وهكذا يكون كل ما يفعلونه شقاء بالنسبة لهم. أما المؤمن فحين يصلي أو يؤدي الزكاة أو يستشهد في سبيل الله فهو يرجو الجنة، وأما المنافقون فإنهم يفعلون كل هذا، وهم لا يرجون شيئا.. فكأنهم بنفاقهم قد حكم عليهم الله سبحانه وتعالى بالشقاء في الدنيا والآخرة، فلا هم في الدنيا لهم متعة المؤمن فيما يفعل في سبيل الله، ولا هم في الآخرة لهم ثواب المؤمن فيما يرجو من الله. | ||||||
{يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)}
وتأتي الصفة الثانية من صفات المنافقين، وهي صفة تدل على غفلتهم وحمق تفكيرهم، فإنهم يحسبون أنهم بنفاقهم يخدعون الله سبحانه وتعالى، وهل يستطيع بشر أن يخدع رب العالمين؟ إن الله عليم بكل شيء، عليم بما نخفي وما نعلن، عليم بالسر وما هو أخفى من السر، وهل يوجد ما هو أخفى من السر؟ نقول نعم، السر هو ما أسررت به لغيرك، فكأنه يعلمه اثنان، أنت ومن أسررت إليه. ولكن ما هو أخفى من السر، ما تبقيه في نفسك ولا تخبر به أحدا، أنه يظل في قلبك لا تسر به لإنسان، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَإِن تَجْهَرْ بالقول فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى} [طه: 7]. فلا يوجد مخلوق، يستطيع أن يخدع خالقه، ولكنهم من غفلتهم، يحسبون أنهم يستطيعون خداع الله جل جلاله. وفي تصرفهم هذا لا يكون هناك سلام بينهم وبين الله. بل يكون هناك مقت وغضب. وهم في خداعهم يحسبون أيضا أنهم يخدعون الذين آمنوا، بأنهم يقولون أمامهم غير ما يبطنون، ولكن هذا الخداع شقاء عليهم، لأنهم يعيشون في خوف مستمر، وهم دائما في قلق أو خوف من أن يكشفهم المؤمنون، أو يستمعوا إليهم في مجالسهم الخاصة، وهم يتحدثون بالكفر ويسخرون من الإيمان، ولذلك إذا تحدثوا لابد أن يتأكدوا أولا من أن أحدا من المؤمنين لا يسمعهم، ويتأكدوا ثانيا من أن أحدا من المؤمنين لن يدخل عليهم وهم يتحدثون، والخوف يملأ قلوبهم أيضا، وهم مع المؤمنين، فكل واحد منهم يخشى أن تفلت منه كلمة، تفضح نفاقه وكفره. وهكذا فلا سلام بينهم وبين المؤمنين.. والحقيقة أنهم لا يخدعون إلا أنفسهم. فالله سبحانه وتعالى، يعلم نفاقهم، والمؤمنون قد يعلمون هذا النفاق، فإن لم يعلموه، فإن الله يخبرهم به، واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: {وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول والله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 30]. ألم يأت المنافقون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليشهدوا أنه رسول الله ففضحهم الله أمام رسوله وأنزل قوله تعالى: {إِذَا جَآءَكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1]. جاء المنافقون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون بصدق رسالته، والله سبحانه وتعالى يعلم أن هذه الشهادة حق وصدق، لأنه جل جلاله، يعلم أن رسوله صلى الله عليه وسلم، صادق الرسالة، ولكنه في الوقت نفسه يشهد بأن المنافقين كاذبون. كيف؟ كيف يتفق كلام الله مع ما قاله المنافقون ثم يكونون كاذبين؟ نقول: لأن المنافقين قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فهم شهدوا بألسنتهم فقط أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله ولكن قلوبهم منكرة لذلك، مكذبة به، ولذلك فإن ما قاله المنافقون رغم أنه حقيقة إلا أنهم يكذبون، ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، لأن الصدق هو أن يوافق الكلام حقيقة ما في القلب، وهؤلاء كذبوا، لأنهم في شهادتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يعبرون عن واقع في قلوبهم، بل قلوبهم تُكَذِّبُ ما يقولون. وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم يفضح الله سبحانه وتعالى فيها المنافقين وينبئ رسوله صلى الله عليه وسلم بما يضمرونه في قلوبهم، إذن فخداعهم للمؤمنين، رغم أنه خداع بشر لبشر، إلا أنه أحيانا تفلت ألسنتهم، فتعرف حقيقتهم، وإذا لم يفلت اللسان، جاء البيان من الله سبحانه وتعالى ليفضحهم، وتكون حصيلة هذا كله، أنهم لا يخدعون أحدا، فالله يعلم سرهم وجهرهم، فمرة يعين الله المؤمنين عليهم فيكشفونهم، ومرة تفلت ألسنة المنافقين فيكشفون أنفسهم. إذن فسلوك المنافق، لا يخدع به إلا نفسه، وهو الخاسر في الدنيا والآخرة، عندما يؤدي عملا إيمانيا، فالله يعلم أنه نفاق، وعندما يحاول أن يخدع المؤمنين، ينكشف، والنتيجة أنهم يعتقدون بأنهم حققوا لأنفسهم نفعا، بينما هم لم يحققوا لأنفسهم إلا الخسران المبين.
|

تعليقات
إرسال تعليق