القائمة الرئيسية

الصفحات

الورد اليومي من القران الكريم - صفحة ٥٨ وتفسيرها للشيخ الشعراوي - مدونة خواطر لتغير حياتك



{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)}
وقوله الحق: {إِنَّ هذا لَهُوَ القصص الحق} يلفتنا إلى أن ما يرويه الحق لنا هو الحق المطلق، وليس مجرد حكاية أو قصة، أو مزج خيال بواقع، كما يحدث في العصر الحديث، عندما أُخذت كلمة القصة في العرف الأدبي الحديث- القادم من حضارة الغرب- إن القصة بشكلها الحديث المعروف إنما يلعب فيها الخيال دورا كبيرا، لكن لو عرفنا ان كلمة (قصة) مشتقة من قص الأثر لبحث أهل الأدب فيما يكتبون من روايات وخيالات عن كلمة أخرى غير (قصة)، فالقصص هو تتبع ما حدث بالفعل لا تبديل فيه ولا أخيلة.
وها هو ذا الحق سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ هذا لَهُوَ القصص الحق وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله} فإذا جاء القصص من الإله الواحد فلنطمئن إلى أنه لا يوجد إله آخر سيأتي بقصص أخرى، ولأن الله الواحد هو {العزيز الحكيم} أي الغالب على أمره، ومع أنه غالب على أمره فهو حكيم في تصرفه.
لكن هل اتعظ القوم الذين جادلوا؟ لا، إن الحق يقول: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ الله عَلِيمٌ بالمفسدين...}.

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)}
إن قوله {فَإِن تَوَلَّوْاْ} يدل على أن الله قد علم أزلا أنهم لن يقبلوا المباهلة، وهكذا حكموا على أنفسهم بأنهم المفسدون، فصدق الحق سبحانه في قوله: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ الله عَلِيمٌ بالمفسدين} ومع ذلك فقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم إلى الدين الكامل لأنهم مؤمنون بالإله، وبالسماء، وبالكتاب، لذلك يقول الحق: {قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ...}.

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}
إنها دعوة إلى كلمة مستوية لا التواء فيها {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله} وهذا أمر لا جدال فيه، ثم {وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً} أي لا ندخل معه من لا يقدر على الارتفاع إلى جلال كماله، فالعقول السليمة ترفض كلمة (الشرك)؛ لأن الشرك يكون على ماذا؟ هل الشرك على خلق الكون؟ إن كل مخلوق أشركوه في الألوهية إنما جاء من بعد أن خلق الله الكون. أو يكون الشرك على إدارة هذا الكون؟
إذا كان هذا هو السبب في الشرك فهو أتفه من أن يكون سببا لأن الحق سبحانه قادر على إدارة هذا الكون، وأنزل منهجا إذا ما اتبعه الإنسان صار الكون منسجما، إذن فأي شرك لا لزوم له. وإن كان- والعياذ بالله- له شريك وتمتع إله ما بقدرات خاصة فهذه القدرات تنقص من قدرات الإله الثاني. وهذا عجز في قدرة هؤلاء الآلهة، ولهذا يحسم الحق هذا الأمر بقوله الكريم: {مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91].
إذن فمسألة الشركاء هذه ليست مقبولة، وبعد ذلك يقول الحق: {وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله}. أي ألا نأخذ من بعضنا كهنوتا وكهنة، يضع الواحد منهم الحلال لنا أو الحرام علينا، فالتحليل والتحريم إنما يأتي من الله، وليس لمخلوق أن يحلل أو يحرم. ثم يقول الحق: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ: اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} أي إن من لا يقبل عبادة الإله الواحد الذي لا شريك له ولا أرباب تحلل أو تحرم، إنما يريد أربابا وشركاء، وهذا معناه أن قلبه غير مستعد لتقبل قضية الإيمان؛ لأن قضية الإيمان تتميز بأن مصدرا واحدا هو الذي له مطلق القدرة، وهو مصدر الأمر في الحركة وهو الواحد الأحد، فلا تتضارب الحركات في الكون.
إن حركاتنا كلها وهي الخاضعة لمنهج الله ب (افعل) و(لا تفعل) فلو أن هناك إلها قال: (افعل) وإلها آخر قال: (لا تفعل)، لكان معنى ذلك والعياذ بالله أن هؤلاء الآله أغيار لها أهواء. والحق سبحانه يحسم هذا بقوله: {وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ} [المؤمنون: 71].
وهكذا كانت دعوة الله على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم {قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}، إنها آية تحمل دعوة مستوية بلا نتوءات، فلا عبادة إلا لله، ونحن لا نأخذ (افعل) و(لا تفعل) إلا من الله، ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا كهنوتا أو مصدرا للتحليل أو التحريم، فإن رفضوا وتولوا، فليقل المؤمنون: {اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} أي أنه لا يوجد إلا إله واحد، ولا شركاء له، وبعضنا لا يتخذ بعضا أربابا، وتلك شهادة بأن الإسلام إنما جاء بالأمرالمستوى الذي لا عوج ولا نتوء فيه ونحن متبعون ما جاء به.
وبعد ذلك يقول الحق: {ياأهل الكتاب لِمَ تُحَآجُّونَ في إِبْرَاهِيمَ...}.

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)}
إن الحق يسألهم: لماذا يكون جدالكم في إبراهيم خليل الله؟ إن اليهود منكم ينسبون أنفسهم إلى موسى، والنصارى منكم ينسبون أنفسهم إلى عيسى، وإبراهيم عليه السلام لا يمكن أن يكون يهوديا كما يدعي اليهود، فاليهودية قد جاءت من بعد إبراهيم والنصارى لا يمكنهم الادعاء بأن إبراهيم كان نصرانيا، لأن النصرانية قد جاءت من بعد إبراهيم عليه السلام، فلم المحاجة إذن؟ لقد أنزلت التوراة والإنجيل من بعد إبراهيم فكيف يكون تابعا للتوراة والإنجيل؟
وبعد ذلك يقول الحق: {هاأنتم هؤلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ...}.

{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66)}
أي لقد جادلتم فيما بقي عندكم من التوراة وتريدون أن تأخذوا الجدل على أنه باب مفتوح، تجادلوا في كل شيء، وأنتم لا تعلمون ما يعلمه الخالق الرحمن علام الغيوب.
ويوضح الحق هذا الأمر فيقول: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً...}.

{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)}
وبذلك يتأكد أن إبراهيم عليه السلام لم يكن يهوديا، لأن اليهودية جاءت من بعده. ولم يكن إبراهيم نصرانيا، لأن النصرانية جاءت من بعده، لكنه وهو خليل الرحمن {كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} ونحن نفهم أن كلمة {حَنِيفاً} تعني الدين الصافي القادم من الله، والكلمة مأخوذة من المحسات، فالحنف هو ميل في الساقين من أسفل، أي اعوجاج في الرجلين، ثم نقل الحنف إلى كل أمر غير مستوٍ.
وهنا يتساءل الإنسان، هل كان إبراهيم عليه السلام في العوج أو في الاستقامة؟ وكيف يكون حنيفا، والحنف عوج؟ وهنا نقول: إن إبراهيم عليه السلام كان على الاستقامة، ولكنه جاء على وثنية واعوجاج طاغ فالعالم كان معوجا. وجاء إبراهيم ليخرج عن هذا العوج، وما دام منحرفا عن العوج فهو مستقيم، لماذا؟ لأن الرسل لا يأتون إلا على فساد عقدي وتشريعي طاغ. والحق سبحانه وتعالى ساعة ينزل منهجه يجعل في كل نفس خلية إيمانية. والخلية الإيمانية تستيقظ مرة، فتلتزم، وتغفل مرة، فتنحرف، ثم يأتي الاستيقاظ بعد الانحراف، فيكون الانتباه، وهكذا توجد النفس اللوامة، تلك النفس التي تهمس للإنسان عند الفعل الخاطئ: أن الله لم يأمر بذلك.
ويعود الإنسان إلى منهج الله تائبا ومستغفرا، فإن لم توجد النفس اللوامة صارت النفس أمارة بالسوء، وهي التي تتجه دائما إلى الانحراف، وحول النفس الواحدة توجد نفوس متعددة تحاول أن تقاوم وتقوّم المعوج، وهي نفوس من البيئة والمجتمع، فمرة يكون الاعتدال والاتجاه إلى الصواب بعد الخطأ قادما من ذات الإنسان أي من النفس اللوامة، ومرة لا توجد النفس اللوامة، بل توجد النفس الأمارة بالسوء، لكن المجتمع الذي حول هذا الإنسان لا يخلو من أن يكون فيه خلية من الخير تهديه إلى الصواب، أما إذا كانت كل الخلايا في المجتمع قد أصبحت أمارة بالسوء فمن الذي يعدلها ويصوبها؟
هنا لابد أن يأتي الله برسول جديد، لأن الإنسان يفتقد الردع من ذاتية النفس بخلاياها الإيمانية، ويفتقد الردع من المجتمع الموجود لخلوه كذلك من تلك الخلايا الطيبة، وهكذا يطم الظلام ويعم، فيرسل الله رسولا ليعيد شعلة الإيمان في النفوس. والله سبحانه وتعالى قد ضمن لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ألا يأتي لها نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فمن الضروري أن يوجد فيها الخير ويبقى، فالخير يبقى في الذات المسلمة، فإذا كانت الغفلة فالنفس اللوامة تصوب، وإن كانت هناك نفس أمارة بالسوء فهناك قوم كثيرون مطمئنون يهدون النفس الأمارة إلى الصواب.
وهكذا لن تخلو أمة محمد في أي عصر من العصور من الخير، أما الأمم الأخرى السابقة فأمرها مختلف؛ فإن الله يرسل لهم الرسل عندما تنطفئ كل شموع الخير في النفوس، ويعم ظلام الفساد فتتدخل السماء، وحين تتدخل السماء يقال: إن السماء قد تدخلت على عوج لتعدله وتقومه.
إذن فإبراهيم عليه السلام جاء حنيفا، أي مائلا عن المائل، وما دام مائلا عن المائل فهو مستقيم، فالحنيفية السمحة هي الاستقامة. وهكذا نفهم قول الحق: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المشركين}.
إن إبراهيم هو أبو الأنبياء، ولم تكن اليهودية قد حٌرفت وبدلت، وكذلك النصرانية لكان من المقبول أن يكون اليهود والنصارى على ملة إبراهيم؛ لأن الأديان لا تختلف في أصولها، ولكن قد تختلف في بعض التشريعات المناسبة للعصور، ولذلك فسيدنا إبراهيم عليه السلام لا يمكن أن يكون يهوديا باعتبار التحريف الذي حدث منهم، أي لا يكون موافقا لهم في عقيدتهم، وكذلك لا يمكن أن يكون نصرانيا للأسباب نفسها، لكنه {كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} أي أنه مائل عن طريق الاعوجاج.
قد يقول قائل: ولماذا لم يقل الله: (إن إبراهيم كان مستقيما) ولماذا جاء بكلمة (حنيفا) التي تدل على العوج؟ ونقول: لو قال: (مستقيما) لظن بعض الناس أنه كان على طريقة أهل زمانه وقد كانوا في عوج وضلال ولهذا يصف الحق إبراهيم بأنه {كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً} وكلمة {مُّسْلِماً} تقتضي (مسلما إليه) وهو الله، أي أنه أسلم زمامه إلى الله، ومُسْلَماً فيه وهو الإيمان بالمنهج.
وعندما أسلم إبراهيم زمامه إلى الله فقد اسلم في كل ما ورد ب (افعل ولا تفعل) وإذا ما طبقنا هذا الاشتقاق على موكب الأنبياء والرسل فسنجد أن آدم عليه السلام كان مسلما، ونوحا عليه السلام كان مسلما، وكل الأنبياء الذين سبقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مسلمين.
كان كل نبي ورسول من موكب الرسل يلقى زمامه في كل شيء إلى مٌسْلَم إليه؛ وهو الله، ويطبق المنهج الذي نزل إليه، وبذلك كان الإسلام وصفا لكل الأنبياء والمؤمنين بكتب سابقة، إلى أن نزل المنهج الكامل الذي اختتمت به رسالة السماء على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ب (افعل ولا تفعل) ولم يعد هناك أمر جديد يأتي، ولن يشرع أحد إسلاما لله غير ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد اكتملت الغاية من الإسلام، ونزل المنهج بتمامه من الله. واستقر الإسلام كعقيدة مصفاة، وصار الإسلام علما على الأمة المسلمة، أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهي التي لا يُستدرك عليها لأنها أمة أسلمت لله في كل ما ورد ونزل على محمد صلى الله عليه وسلم. لذلك قال الحق: {إِنَّ أَوْلَى الناس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتبعوه...}.

{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}
ولنا أن نلحظ أن كل رسول من الرسل السابقين على سيدنا رسول الله إنما نزل لأمة محددة، فموسى عليه السلام أرسله الله إلى بني إسرائيل، وكذلك عيسى عليه السلام، قال تعالى: {وَرَسُولاً إلى بني إِسْرَائِيلَ} أي رسولا مسلما في حدود تطبيق المنهج الذي جاء به ونزل إلى هؤلاء الرسل، فلما تغير بعض من التشريع وتمت تصفية المنهج الإيماني بالرسالة الخاتمة، وهي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وهي عامة لكل البشر فقد آمن بعض من أهل تلك الأمم برسالته عليه الصلاة والسلام، كما آمن بها من أرسل فيهم سيدنا رسول الله، واستمر موكب الإيمان بالدين الخاتم إلى أن وصل إلينا. وهكذا صارت أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خاتمة الأمم الإسلامية؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين».
وحين يقولون: إن إبراهيم عليه السلام كان يهوديا أو نصرانيا. إنما أوردوا ذلك لأن إبراهيم عليه السلام فيه أبوة الأنبياء. وهم قد أرادوا أن يستحضروا أصل الخلية الإيمانية في محاولة لأن ينسبوها إلى أنفسهم وكأنهم تناسلوا ان المسألة الإيمانية ليست بالجنس أو الوطن أو الدم، أو أي انتماء آخر غير الانتماء لمنهج الله الواحد، ولذلك فأولى الناس بإبراهيم ليسوا من جاءوا من ذريته، بل إن أولى الناس بإبراهيم هم الذين اتبعوه، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد اتبع إبراهيم عليه السلام، لذلك فلا علاقة لإبراهيم بمن جاء من نسله، ممن حرفوا المنهج ولم يواصلوا الإيمان، لقد حسم الله هذه القضية مع إبراهيم عندما قال سبحانه: {وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين} [البقرة: 124].
لقد امتحن الحق إبراهيم بكلمات هي الأوامر والنواهي، فأتمها إبراهيم عليه السلام تماما على أقصى ما يكون من الالتزام، ولم يكن مجرد إتمام يتظاهر بالشكلية، إنما كان إتماما بالشكل والمضمون معا.
والمثال على تمام الأوامر والنواهي بالشكل فقط هو رؤيتنا لمن يتلقى الأمر من الله بأن يصلى خمسة فروض، فيصلي هذه الفروض الخمسة كإجراء شكلي، لكن هناك إنسانا آخر يصلي هذه الفروض الخمسة بحقها في الكمال مضمونا وشكلا، إنه يتم الأوامر الإلهية إتمام يرضى عنه الله.
ولقد أدى إبراهيم عليه السلام الابتلاءات التي جاءت بالكلمات التكليفية من الله على أكمل وجه.
ألم يأمر الله إبراهيم عليه السلام على أن يرفع القواعد من البيت؟ أما كان يكفي إبراهيم عليه السلام لينفذ الأمر برفع بناء الكعبة إلى أقصى ما تطوله يداه؟ إنه لو فعل ذلك لكان قد أدى الأمر، لكن إبراهيم عليه السلام أراد أن يوفي الأمر بإقامة القواعد من البيت تمام الوفاء، فبنى الكعبة بما تطوله يداه، وبما تطوله الحيلة أيضا، فجاء إبراهيم عليه السلام بحجر ليقف من فوقه، ويزيد من طول جدار الكعبة مقدار الحجر، لقد أراد ان يوفي البناء بطاقته في اليدين وبحيلته الابتكارية أيضا، فلم يكن معروفا في ذلك الزمان (السقالات) وغير ذلك من الأدوات التي تساعد الإنسان على الارتفاع عن الأرض إلى أقصى ما يستطيع.
ولو أن إبراهيم عليه السلام قد رفع القواعد من البناء على مقدار ما تطوله يداه؛ لكان قد أدى تكليف الله، لكنه أراد الأداء بإمكاناته الذاتية الواقعية، وأضاف إلى ذلك حيلة من ابتكاره، لذلك جاء بالحجر الذي يقف عليه ليزيد من جدار الكعبة، وهذا ما نعرفه عندما نزور البيت الحرام ب (مقام إبراهيم) فلما أتم إبراهيم الكلمات هذا الإتمام قال الحق سبحانه لإبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} [البقرة: 124].
إي إنك يا إبراهيم مأمون على أن تكون إماما للناس في دينهم لأنك أديت (افعل ولا تفعل) بتمام وإتقان. ولنر غيرة إبراهيم عليه السلام على منهج ربه، إنه لم يرد أن يستمر المنهج في حياته فقط، ولكنه طلب من الله أن يظل المنهج والإمامة في ذريته، فقال الحق سبحانه على لسان إبراهيم طالبا استمرار الأمانة في ذريته: {وَمِن ذُرِّيَّتِي} [البقرة: 124].
إن سيدنا إبراهيم قد امتلأ بالغيرة على المنهج وخاف عليه حتى من بعد موته، لكن الحق سبحانه وتعالى يُعلم الخلق جميعهم من خلال إبراهيم فيقول سبحانه: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين} [البقرة: 124].
أي أن المسألة ليست وراثة، لأنه سيأتي من ذريتك من يكون ظالماً لنفسه ويعدل في المنهج بما يناسب هواه، وهو بذلك لا تتوافر فيه صفات الإمامة. إن الحق يعلمنا قواعد إرث النبوة، إن تلك القواعد تقضي أن يرث الأنبياء من هو قادر على تطبيق المنهج بتمامه دون تحريف، والمثال على ذلك ما علمه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لسلمان الفارسي: (سلمان منا آل البيت).
إن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لم يقل لسلمان الفارسي (أنت من العرب) لا. بل نسبه لآل البيت، أي نسبه إلى إرث النبوة بما يتطلبه هذا الإرث من تطبيق المنهج بتمامه، لقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم ما علّمه الحق سبحانه لسيدنا إبراهيم عليه السلام عن إرث النبوة، فليس هذا الإرث بالدم، إنما بتطبيق المنهج نصا وروحا، كما تعلم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مما علّمه له الحق عن نوح عليه السلام، لقد وعد الحق نوحا بأن ينجيه وأهله من الطوفان.
ويرى نوح عليه السلام ابنه مشرفا على الغرق، فيتساءل (ألم يعدني الله ان ينجي أهلي؟) فينادي نوح عليه السلام ربَّه، بما أورده القرآن الكريم حين قال: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحق وَأَنتَ أَحْكَمُ الحاكمين} [هود: 45] فيقول الحق ردا على طلب نوح نجاة ابنه: {قَالَ يانوح إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إني أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين} [هود: 46].
ولننظر إلى التعليل القرآني لانتفاء الأهلية عن ابن نوح عليه السلام {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}؟ لماذا؟ {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}. إن الحق لم يقل (إنه عامل غير صالح)- الذاتية ممنوعة- لأن الفعل هو الذي يحاسب به الله؛ فالإيمان ليس نسبا، ولا انتماء لبلد ما، أو انتماء لقوم ما، إنه العمل، فمن يعمل بشرع أي رسول يكون من أهل هذا الرسول، إنَّ النسبة للأنبياء لا تأتي للذات التي تنحدر من نسب النبي، بل يكون الانتساب للأنبياء بالعمل الذي تصنعه الذات.
وفي موقع آخر يعلمنا الحق عن سيدنا إبراهيم موقفا يصور رحمة الخالق بكل خلقه من آمن منهم ومن كفر. لقد طلب إبراهيم عليه السلام سعة الرزق لأهل بيته الذين جعل إقامتهم بمكة، كما جاء في الكتاب الكريم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجعل هذا بَلَداً آمِناً وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} [البقرة: 126].
فهل استجاب الحق لدعوة إبراهيم برزق الذين آمنوا فقط من أهل مكة؟ لا، بل رَزَقَ المؤمن والكافر. وعلّم إبراهيم ذلك حينما قال له: {قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلى عَذَابِ النار وَبِئْسَ المصير} [البقرة: 126].
إن الرزق المادي مكفول من الحق لكل الخلق، مؤمنهم وكافرهم، والاقتيات المادي مكفول من قبل الله لأنه هو الذي استدعى المؤمن والكافر إلى هذه الدنيا. أما رزق المنهج فإمر مختلف، إن اتباع المنهج يقتضي التسليم بما جاء به دون تجريف. وهذا المنهج لم يتبعه أحد ممن جاءوا بعد إبراهيم عليه السلام إلا القليل، فمن آمن برسالة موسى عليه السلام دون تحريف هم قلة.
ثم جاء عيسى عليه السلام برسالة تبعد بني إسرائيل عن المادية الصرفة إلى الإيمان بالغيب، لكن رسالة عيسى عليه السلام تم تحريفها أيضا، وعلى ذلك فأولى الناس بإبراهيم عليه السلام هم الذين اتبعوا المنهج الخاتم الصحيح والمصفى لكل ما سبق من رسالات، وهؤلاء هم الذين آمنوا برسالة محمد صلى الله عليه السلام، والله ولي المؤمنين جميعا من آمن منهم برسالة إبراهيم خليل الرحمن، إيمانا صحيحا كاملا، ومن آمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.. بعد ذلك يقول الحق سبحانه: {وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يُضِلُّونَكُمْ...}.

{وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69)}
إن المعنى (ودت) هو (تمنت) و(أحبت). ولماذا أحبوا أن يُضلوا المؤمنين؟ لأن المنحرف حين يرى المستقيم، يعرف أنه كمنحرف لم ينجح في أن يضبط حركته على مقتضى التكليف الإيماني ل (افعل) و(لا تفعل)، أما الملتزم المؤمن فقد استطاع أن يضبط نفسه، وساعة يرى غير الملتزم إنسانا آخر ملتزما، فإنه يحتقر نفسه ويقول بينه وبين نفسه حسدا للمؤمن: لماذا وكيف استطاع هذا الملتزم أن يقدر على نفسه؟
ويحاول المنحرف أن يأخذ الملتزم إلى جانب الانحراف، وعندما لا يستطيع جذب الملتزم إلى الانحراف فهو يسخر منه، ويهزأ به، ويحاول أن يحتال عليه ليأخذه إلى جانب الانحراف. ألم يقل الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمُ انقلبوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قالوا إِنَّ هؤلاء لَضَالُّونَ وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين: 29-33].
وهذا ما يحدث الآن عندما يرى أهل الانحراف إنسانا مؤمنا ذا استقامة، فيسخرون منه بكلمات كالتي تسمعها (خذنا على جناحك) أو يحاول النيل من إيمانه وعندما يعود أهل الانحراف إلى أهلهم فهم يروون بتندر كيف سخروا من المؤمنين، وكأنهم يحققون السعادة لهؤلاء الأهل بحكايات السخرية من الإنسان المؤمن، ويطمئن الحق المؤمنين بأن لهم يوما يضحكون فيه من هؤلاء الكفار: {فاليوم الذين آمَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ} [المطففين: 34-35].
ويسأل الحق أهل الإيمان: {هَلْ ثُوِّبَ الكفار مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المطففين: 36].
أي قد عرفتم كيف اجازي بالعقاب أهل الكفر.
لذلك فأولى الناس بإبراهيم هم المؤمنين برسالة محمد عليه الصلاة والسلام. ولا يفتأ بعض من أهل الكفر من محاولة جذب المؤمنين إلى الضلال. إنهم يحبون ذلك ويتمنونه، ولكن ليس كل ما يوده الإنسان يحدث، فالتمنى هو أن يطلب الإنسان أمرا مستحيلا أو عسير المنال، هم يحبون ذلك ولكن لن يصلوا إلى ما يريدون، يشير إلى ذلك قوله تعالى: {وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.
إنهم يتمنون إضلال المؤمنين، لكن هل يستطيعون الوصول إلى ذلك؟ لا: والمثال على ذلك هو ما يفعله بعض أهل الكتاب من اليهود عندما ذهبوا إلى معاذ بن جبل وإلى حذيفة الصحابيين الجليلين، وذهبوا أيضا إلى عمار الصحابي الجليل وحاولوا فتنة معاذ وحذيفة وعمار لكنهم لم يستطعوا.
وعلينا أن نعرف أن (الضلال) يأتي على معان متعددة، فقد يأتي الضلال مرة بمعنى الذهاب والفناء في الشيء، مثل قوله الحق: {وقالوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} [السجدة: 10].
لقد تساءل المشركون (أبعد أن نذوب في الأرض وتتفكك عناصرنا الأولية نعود ثانية، ونُبعث من جديد؟). وقد يأتي الضلال مرة أخرى بمعنى عدم اهتداء الإنسان إلى وجه الحق، كما قال الحق وصفا لرسوله صلى الله عليه وسلم عندما رفض عبادة الأصنام وظل يبحث عن المنهج الحق. {وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى} [الضحى: 7].
أي أنك يا محمد لم يعجبك منهج قريش في عبادة الأصنام، وظللت تبحث عن المنهج الحق، إلى أن هداك الله فأنزل إليك هذا المنهج القويم. لقد كنت ضالا تبحث عن الهداية، فجاءتك النعمة الكاملة من الله.
وهناك لون آخر من الضلال، وهو أن يتعرف الإنسان على المنهج الحق، لكنه ينحرف عنه ويتجه بعيدا عن هذا المنهج مثل قول الحق: {وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ}.
ونتساءل: كيف يحدث إضلال النفس؟ وتكون الإجابة هي: أن الضال الذي يعرف المنهج وينكره إنما يرتكب إثما، ويزداد هذا الإثم جُرماً بمحاولة الضال إضلال غيره، فهو لم يكتف بضلال ذاته بل يزداد ضلالا بمحاولته إضلال غيره. وهذا القول الكريم قد حل لنا إشكالا في فهم قوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} [فاطر: 18].
وفي فهم قوله- جل شأنه-: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25].
وهكذا نعرف أن الوزر في آية فاطر هو وزر الضلال في الذات والأوزار في سورة النحل هي لإضلال غيرهم فهولاء الضالون لا يكتفون بضلال أنفسهم، بل يزيدون من ضلال انفسهم اوزاراً بإضلال غيرهم فهم بذلك يزدادون ضلالا مضافا إلى أنهم يحملون أوزارهم كاملة. {وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.
إنهم لا يشعرون بالكارثة التي سوف تأتي من هذا الضلال المركب الذي سينالون عليه العقاب. ولو أنهم تعمقوا قليلا في الفهم لتوقفوا عن إضلال غيرهم، ولو بحثوا عن اليقين الحق لتوقفوا عن ضلال أنفسهم.
ومن بعد ذلك يقول الحق: {ياأهل الكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله...}.

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)}
إن الحق يسألهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لم تكفرون بآيات الله العجيبة وأنتم تشهدون؟ وهنا قد يسأل سائل هل شهد أهل الكتاب الآيات العجيبة في زمن رسول الله؟
والإجابة هي: ألم يستفتح اليهود على من يقاتلونهم بمجيء نبي قادم؟ إنهم كانوا يدعون الله قائلين: إنا نسألك بحق النبي الأميّ الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا تنصرنا عليهم فكانوا يُنصرون على أعدائهم فلما بعث صلى الله عليه وسلم كفروا به بغيا وحسداً قال الله تعالى: {وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافرين} [البقرة: 89].
لقد كفروا من أجل السلطة الزمنية. فقد كانوا يريدون الملك والحكم. وهذا عبد الله بن سلام الذي كان يهوديّاً فأسلم قد قال عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد عرفته حين رأيته كمعرفتي لابني ومعرفتي لمحمد أشد».
إذن فمعرفتهم بنعت رسول الله ووصفه موجودة في آيات التوراة ولقد شهدوا الآيات البينات، لكنهم أنكروا الآيات طمعا في السلطة الزمنية حتى ولو تطلب ذلك أن يُحرِّف بعضهم منهج الله سبحانه وتعالي ويحوّلوا هذا التحريف إلى سلطة زمنية فاسدة كهؤلاء الذين باعوا صكوك الغفران ولذلك قال الحق عن هؤلاء الذين يحرفون منهج الله: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79].
إن العذاب هو مصير هؤلاء الدين يحرفون كلام الله ومنهجه.
ويقول الحق سبحانه: {ياأهل الكتاب لِمَ تَلْبِسُونَ الحق بالباطل...}.
المصدر :- موقع نداء الايمان - موقع daily Quran

تعليقات

التنقل السريع